الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة «بيدون 3» لجيلاني السعدي: بحثا عن لحظة انسجام في غابة الـمجتمع الكبرى

نشر في  09 ماي 2018  (11:30)

انتهى عرض الأعمال الكاملة للمخرج جيلاني السعدي بالمكتبة السينمائية بمدينة الثقافة بتقديم العرض الأول لفيلم «بيدون 3» يوم الأحد 8 أفريل 2018.
في فيلمه الجديد، واصل السعدي حكيه السينمائي حول المهمشين، هؤلاء الذين حكم عليهم المجتمع بناسه وتقاليده بالإنزواء على القارعة، هؤلاء الذين يُدفعون الى الوحدة، الى الانتحار أو الجنون لأنهم مختلفون ولأن مساراتهم لا تتماشى مع مسارات الاغلبية. فهذا فنان، والآخر سكير، والآخر يبحث عن ذاته، كلهم لفظهم الأهل والمجتمع لأن ثناياهم مغايرة... فيحملون شعلاتهم الصغيرة ويتصارعون بضعفهم وتعثراتهم بحثا عن خلاص انساني لا يدعي البطولة ولا يستخلص الدروس بل يبحث عن لحظة انسجام مع الذات في غابة المجتمع الكبرى.

أسوة بأفلامه السابقة (بيدون 2، عرس الذيب، في لحمي)، تُصور كاميرا جيلاني السعدي في «بيدون 3» لقاءات الحياة الغريبة، تلك التي يمكن أن تجمع شابة (لينا العش) قاطعت عائلتها بعد أن اختارت ميدان الفن، بكهل (حشاد الزموري) فقد أمه وتعرض لهرسلة عدد من المتطرفين. يرسم جيلاني السعدي في بداية الفيلم قصتهما الفردية وما عانياه على المستوى الشخصي من أوجاع، قبل أن تجمعهما صدف الحياة على الطريق السيارة تونس ـ بنزرت.
على هذا الدرب الموازي، ترتسم إمكانيات حياة أخرى مبنية على فجاجة الذوات من عنف وسذاجة وصدق.. تغوص كاميرا السعدي في هذا الموازي متوقفة عند التراكيب الجديدة للشخصيات بعد تحررها من ماضيها. كل ذلك بلغة سينمائية معجونة بمياه التيه، لغة تصور الليل من منطلق أضوائه الخافتة وظلاله وجزئياته وتقتطف من روح المدينة وحدتها وسكينتها.

يوظف جيلاني السعدي كاميراه لفعل الاختراق، اختراق الذات والمدينة والليل بحثا عن «حقيقة» أخرى وعن «صدق» آخر في صميم الهامش. ولأجل ذلك ينقل للشاشة مشاهد مُصورة من زوايا غير منتظرة كمشهد خيالات الغربان التي تحلق في سماء بطل الفيلم حشاد، والمشهد الذي تظهر فيه البطلة وهي بصدد النظر الي صديقها وهو يضاجعها أو المشهد الذي يظهر فيه البطلان وفي يدهما فانوس وكأنهما يبحثان عن ذواتهما في العتمة أو المشهد النهائي الذي تصور فيه الكاميرا حشاد من أسفل لتبدو شخصيته مُفخمّة  فضلا عن المشاهد السوريالية كمثل التي يظهر فيها حشاد بصدد الرقص مع دجاجة على وقع موسيقى الصطمبالي أو عندما تتجمع به بعض الجميلات اثر محاولته الإنتحار.

في «بيدون 3»، يؤكد الجيلاني السعدي مرّة أخرى اهتمامه بالمُهمش وولعه بالكاميرا التي تسبر أغوار الذات والليل والمدينة محاولا تحريرها من القيود المضروبة عليها، فتبان فجّة، على سليقتها، مُفصحة عن كنهها الأول. لا يبحث السعدي عن الصورة المُنمقة ولا على الاكتمال ولا الاجماع بل على عكس ذلك، يتطرف بشخصياته وبكاميراه ليصور المنقوص والموجوع والمتفرد وليحكي قصصا مخفية تتحسس طريقها وتتطلع الى صدق نفسها.

شيراز بن مراد